يعد التصميم الجرافيكي جزءاً كبيراً ومهماً في عالمنا قديماً وحديثاً بحيث يصعب تخيل العيش بدونه، وتاريخ التصميم الجرافيكي يمتد إلى الوجود البشري بأكمله ونستطيع أن ندرك ذلك من خلال الرسوم والمنحوتات التي وصلتنا، والتي تعود إلى فترة ما قبل التاريخ حيث كانت بدايتها الفنية لا تقوم إلى بنازع عفوي ناتجاً لما يراود تفكير الإنسان من غموض تجاه الظواهر الطبيعية.
ولا شك أن دراسة الماضي يمكن أن تلهمنا في الوقت الحاضر وتساعد كل منا على ترك بصمته الخاصة.
- إقرأ أيضاً: التصميم الجرافيكي - ما هو؟
يتضح من لوحات الكهوف القديمة التي يعود تاريخها إلى عصور ما قبل التاريخ والتي تم العثور عليها في جميع أنحاء العالم (أستراليا، إسبانيا، إندونيسيا، فرنسا، الأرجنتين، على سبيل المثال لا الحصر)، أن الإنسان أظهر موهبة فطرية في الاتصال المرئي من خلال الرسم على الجدران.
أقدم ما وصلنا مكتوبا بالهيروغليفية مخطوط رسمي ما بين عامي 3300 قبل الميلاد و3200 ق.م. في ذلك المخطوط استخدمت صور لترمز إلى أصوات أولية للكلمات، وكانت هذه اللغات الأولى عبارة عن لغة لوجوغرافية، وقد استوحى المصري القديم تلك الصور من الموجودات الشائعة في البيئة المصرية في ذلك الوقت، من نبات وحيوان.
ابتكر السومريون واحدة من أولى اللغات المكتوبة، على الأرجح كوسيلة لتسجيل قوائم جرد التجار لضمان عدم قيام شركات النقل بسرقة أي شيء عند التسليم.
وهي أيضاً لغة لوجوغرافية تعتمد على الرموز والأيكونات، ويشير هذا إلى قدرة الإنسان الفطرية على استخدام التمثيل المرئي لتوصيل الأفكار المعقدة، وهو حجر الزاوية في التصميم الجرافيكي الحديث، وبعد آلاف السنين لا يزال المصممون يعتمدون على الأيقونات لتمثيل كلمات ومفاهيم كاملة في مساحة محدودة.
منذ عام 200م ، استخدمت الصين نقوشًا خشبية لطباعة وختم التصاميم على الملابس الحريرية، وفي وقت لاحق على الورق في عام 1040م ، اخترع Bi Sheng أول مطبعة من النوع المتحرك في العالم من البورسلين، قبل أكثر من 400م عام من جلب "جوهان جوتنبرغ" لتقنية مماثلة إلى أوروبا.
تجمع المخطوطات الدينية المزخرفة في العصور الوسطى بين النصوص والصور، من بين هذه الكتب كتب الفن الإنجيلية، التي تم إنشاؤها في أديرة الجزر البريطانية، تعكس الرسومات الموجودة في هذه الكتب تأثير أسلوب الشعوب "البربرية" في شمال أوروبا، مع استخدام الكثير من التشابك والزخرفة الهندسية.
كان ولا يزال للخط جانباً مهماً في كتابات المسلمين وخاصة القرآن الكريم، فقد استخدم الكتبة المسلمون الحبر الأسود والورق الذهبي للكتابة والرسم باستخدام الخط الكوفي.
ظهرت هذه الكتابات في القرن الثامن ووصلت ذروتها في القرن العاشر، وأضيف لها في وقت لاحق زخارف على هوامش الصفحات، تعرض تقنيات رسومية متنوعة، لتجميل الكتاب، وفي القرن الثاني عشر تم اختراع خط النسخ والذي تميز بمنحنيات بدلاً من الخطوط المائلة للخط الكوفي.
شعار النبالة كان يستخدم كرمز لتمثيل منازل العائلة أو المناطق، ويعتقد العلماء أن هذه الممارسة كانت شائعة خلال الحروب الصليبية، حيث حفز اختلاط الجنود من مختلف البلدان والمنازل وسيلة لتمييز الجميع عن بعضهم البعض، لا سيما على الدروع وأعلام المعركة.
ولادة التصميم الجرافيكي: عصر النهضة والعصر الصناعي
مع ظهور المطبعة في أوروبا ، تمكنت البشرية من إعادة إنشاء النص والفن والتصميم على نطاق واسع وبتكلفة زهيدة نسبياً. سرعان ما لوحظ كيف يمكن لمثل هذه الصور أن تؤثر على التسوق وتزيد من الأرباح، وبالتالي ولد التصميم الجرافيكي الحديث.
اختراع مطبعة "جوتنبرج" 1439م
قام "يوهانس جوتنبرج" - المخترع والناشر الألماني - بصناعة أول طابعة فعلياً عن طريق تطوير قوالب الحروف التي توضع بجوار بعضها البعض ثم يوضع فوقها الورق ثم يضغط عليه فتكون مطبوعة، وبهذا الاختراع تم إنتاج الكثير من النسخ في وقت أقل من ذي قبل، ليس هذا فحسب بل زادت جمالية ودقة النسخ المطبوعة، وقد مهدت مطبعة جوتنبرج الطريق لمزيد من الاستخدامات التجارية للتصميم، والتي بشرت بعصر التصميم الجرافيكي الذي نعرفه الآن.
تعود الإعلانات المكتوبة إلى مصر القديمة، ولكن بدأت الإعلانات المطبوعة بالوجه الذي نعرفه الآن في أوائل القرن السابع عشر وكانت هذه هي المرة الأولى التي نشاهد فيها صوراً في الإعلانات ذات الإنتاج الضخم.
اصبحت الطباعة الحجرية الملونة الأنجح من بين العديد من طرق الطباعة الملونة التي طُورت في القرن التاسع عشر وهي طريقة فريدة لصنع مطبوعات متعددة الألوان وتكون الطباعة من حجر (الحجر الجيري الليثوغرافي) أو لوح معدني بسطح أملس وتعتمد في الأصل على عدم امتزاجية الزيت والماء، وهي تعد الفكرة الأولية لطباعة الأوفسيت التي نعرفها الآن.
التصميم الجرافيكي في العصر الحديث
بدأ التصميم الجرافيكي كما نعرفه اليوم في تطوره الحقيقي في العصر الحديث، تقريباً في أواخر القرن التاسع عشر . بينما كان القرن التاسع عشر يتعلق بالتقدم التكنولوجي والقدرات الجديدة، كان العصر الحديث يدور حول تعلم كيفية استغلال هذه التطورات لمزيد من الأهداف الفنية. مع الطباعة التي أصبحت الآن تقنية شائعة ومنافسة تغذي الابتكار، تم دفع الفنانين والمصممين لإستكشاف أساليب وتقنيات جديدة، والتي سرعان ما تتدفق إلى الإعلان والعلامات التجارية.
أول وكالة لتصميم الجرافيك 1903م
مع المزيد والمزيد من الشركات أدركنا أهمية التصميم الجرافيكي، وكانت مسألة وقت فقط قبل ظهور أول وكالة للتصميم الجرافيكي وهي "Wiener Werkstätte" النمساوية، وتعني (ورشة عمل فيينا) هي أول منظمة من نوعها للفنانين البصريين ، بما في ذلك الرسامين والمهندسين المعماريين ومصممي الجرافيك الأوائل، وقد قدمت مساهمات في أسلوب التصميم والأعمال على حدٍ سواء.
ربما كان أعظم إرث لها هو الابتكار الأسلوبي كالتكعيبية، وقد مهدت الطريق لظهور أنماط باوهاوس وآرت ديكو الشهيرة التي سرعان ما تبعها.
لتعزيز ما بدأته وكالة "Wiener Werkstätte" ، فتحت باوهاوس "Bauhaus" أبوابها لأول مرة في ألمانيا عام 1919م، وكانت مهمتها الدمج بين الحرفة والفنون الجميلة أو ما يسمى بالفنون التشكيلية كالرسم، التلوين، النحت والعمارة في عمل واحد مثالي. الشيء المثير للاهتمام هو أنهم نجحوا بالفعل فكانت باوهاوس واحدة من أهم المدارس التي ساعدت على تعميم أسلوب الحداثة.
العصر الرقمي للتصميم الجرافيكي
من بداية الخمسينيات وحتى الآن بدأ العالم نهجه البطيء في العصر الرقمي الذي نتمتع به حالياً، ومع انتشار أجهزة الكمبيوتر المنزلية أدى ذلك إلى دخول عصر جديد للإتصال الجماهيري ومنح الوصول إلى أنماط جديدة للفن بواسطة البرامج الرقمية التي تم إبتكارها لاحقاً.
أدوبي فوتوشوب - تم إصداره لأول مرة في عام 1990 - والذي غير وجه تصميم الرسوم، أدى التلاعب بالصور إلى إنشاء فئات فرعية جديدة تماماً من التصميم الجرافيكي، حيث مزج عناصر التصوير الفوتوغرافي والرسوم معاً لإنتاج عمل فني فريد.
وفي الوقت نفسه، تطورت طبيعة العلامة التجارية أيضاً لمواكبة الأوقات المتغيرة.
المصادر:
99designs
wikipedia
كتاب التصميم الجرافيكي لرمزي العربي